الكل يجيد الحديث ، البعض يتحدث بصوت هادئ والبعض يصرخ والبعض يصمت والبعض يتمتم
فمن يتحدث أو يصرخ قد يسمعه
البعض فإما يعيرونه اهتماماً أو يقولون كلاماً ، أما من يصمت فقد اكتسب صفة
هي في الأصل من صفات الأموات ، لكن من يتمتم فهو يسمع نفسه فقط ممنيها عل
تمتماته تتبلور ذات يوم إلى حديث وليس من الضروري أن يكون ذو أهمية بالغة .
تمتم العردان تمتماتٍ في أوقات
مختلفة ومن ثم رأى أن يسطر تمتماته علها تجد سبيلاً إلى أذان الآخرين وليس
من الضروري أن تكون تمتماته ذات أهمية ولكنه يراها كذلك .
تمتم العردان باحثاً عن كأس
ألم في أمةٍ مليئةً بالجروح فوجد محيطاًً من الألم وسيل من العلل لكنه لم
يجرؤ على أن يرتشف أي قطره لما لها من طعم لا تدنوا أن تصل حلاوته إلى
العلقم ، لم يعلم من أين يبدأ ، في أمة تشرذمت وانقسمت حتى بدت وكأنها من
الكائنات التي تتكاثر بالانقسام ، رأت أن في انقسامها حياة لها ولكن تلك
الحياة ما فتئت حتى أصبحت موتاً بطيئاً تزداد سرعته كلما تقدم الوقت ، فرأت
أن تعود كتلة واحدة بعد أن صارت كائنات مختلفة النوع والمادة والكتلة ،
ومازالت تمني نفسها بذلك منذ أمدٍ ليس بقصير دون أن تحاول إزالة القشر التي
تشكلت على أجسامها علها تعود من نفس النوع والمادة ، فبدلاً من إزالتها
أخذت تتحجر حتى أصبحت كالأحافير ولم يعرف أنها من نفس النوع إلا من قص
الأثر .
تمتم العردان وشخص ببصره إلى
بيت المقدس لما له من مكانة منذ فجر البشرية ، ذاك المكان الذي كان موضع
صراع منذ الأزل ما يزال كذلك ، لم يرى العردان تمتمته إلا قطرة في بحر صراخ
ومن ثم فإن قطرته لن يفيض بها البحر لكن لابد منها .
تمتم العردان ومد بصره إلى
أكناف بيت المقدس فوجد جماعة تكالبت عليها الأمم ولكنها لم تضعف من عزيمتها
، فتذكر حصار قريش لنبي الأمة وصحبه في مطلع رسالته ، فتمتم كلمات علها
تصل إلى اسماعهم وقال لهم انتم على الدرب فواصلون المضي قدما واصبروا
وصابرو عل الله يسخر لكم حشرة يؤيدكم بها ، فقد تخلى عنكم الجميع كما تخلى
بنو اسرائيل عن موسى ولكنهم لم يدعوكم لتقاتلوا أنتم وربكم كما فعلوا بل
انقلبوا عليكم فلم يضروكم شيئاً ، فإنهم أضعف من أن يرتقوا إلى الدنس الذي
قد يبطل صلاتكم ، نعم إنهم شرذمة تفرقت واختلفت لهم خوار يصدرونه ممنين
أنفسهم بأنكم ستركعون لهم ، لأنهم لا يعلمون بأنكم قد رأيتم برهان ربكم
وصدقتموه فأنتم تسلون كل يومٍ أبنائكم للذبح تصديقاً وإيمانا ، هم لا
يعلمون معنى أن تدفنوا بدون كفن فهم لم يتذوقوا حلاوة إيمانكم .
نعم أنتم قد أثبتم بأنكم أجدر
من على الأرض بالحياة ، نعم قد أباحوا قتلكم وأباحوا نسج خيوطاً عليكم
كخيوط العنكبوت وسموها جدراً ، علكم تستأنسون قبل الدخول إليهم فأنتم ممن
تحجب عوراتهم عنكم ولا حاجة لكم برؤيتها ، نعم فأعدائكم لم يبلغون الحلم
بعد ، فهم طوافون عليهم حتى حينما يضعون ثيابهم من الظهيرة ، أو أن أعدائكم
ممن لا تخفى عنهم العورة فقد عقدوا عليهم بعقد شرعي وقد أُحل الزواج بأهل
الكتاب من النساء وهم قد راءوا ما لم يره أحد فعندهم العلم ولديهم بصيرة
دون غيرهم من المسلمين ، فقد صار النقاب محرماً وقبله الحجاب صار مكروهاً
على المرأة ارتدائه وإنهم يرون ما لم يره أحد من المسلمين ورءوا ما رأت
الاليزيه وعلى ذلك فل تصغ القوانين .
نعم هم يريدون أن يضيقوا عليكم فنعم : ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أضنها لن تفرج
تمتم العردان مستهزئاً
بمساندتهم لكم في حربكم وسلمكم ألم تروا في الحرب كيف ساندوكم لقد شهدت
نصركم وقد شهدتٌ عهرهم ، فلم أجد سوى الألم من فعلهم ، أأمة مقتت الدناءة
والعهر تنتصر بما تمقت وتحرم ، فقد ساندوكم في حربكم بالمغنيات والراقصات ،
وتلفتوا باحثاً عن الشيخ الذي يدعوكم للثبات ويدعوا إلى مناصرتكم وتمتمتوا
لهم علهم يسمعون :
نصرٌ قريب إذا لكم أو تعلمون وكيف لا نادت به غانياتكم فستنصرون
ماذا جرى يا سيدي ؟؟ شيء عجيب
قد أصبح الشيخ الجليل وجه جميل
ولقد كسا من جسمه شيء قليل
وصاح فينا منادياً هيا انهضوا فبجسمكم عضوا عليل
لكنه لم يذكر الله ولم يسق أي دليل
ولقد رأيت بوجهه نمصٌ وبوجهه رمش كحيل
النصر آت وكيف لا وشيخنا لم يحفظ القران أو بالأصح لا يعرف الترتيل
كانت تلك التمتمة التي تمتم
بها العردان تحديداً في تاريخ 28/12/2008م والحرب على غزة في أوجها فأودعها
مفكرة جواله ، وقد رأى ما كان يحدث ، فرغم الحرب ورغم كل التضييق لم يضعف
فعلهم عزائم تلك الأسود ورأى ذلك المشهد اليومي الذي يتكرر دون انقطاع
فتمتم بما يلي وتحديداً في تاريخ 27/12/2008م
وفي الفجر شعشع ضوء القصيدة طفل يكفكف دماء وريده
وحشد يلف بقايا شهيده
وشاب ملثم يتلوا وعيده
وفي كل وكر هناك اسود
عن الأرض تحكي وعنها تذود
وأم تودع فتاها شهيد كأني أراها في يوم عيد
وأخرى تزغرد لديها وليد
لم يستطع العردان الاستمرار في
التمتمة فقد ذاق جرعةً من ذاك البحر فخر مغشياً عليه ، وليس أكيداً أن ذلك
البحر مراً عند كل الشاربين ، وليس أكيداً بأنهم يتنفسون .
تعليقات
إرسال تعليق