سقط صامد شهيداً، وبقي العلم الصغير، بقيت أمّه الأرض. انه المساء... الدخان يتنفس زخاته الأخيرة التي تعلو مداخن البيوت ، والمكان يتثاءب .. الليل يسدل استاره ، ثم ينسحب الجميع ، وكأنهم يطبقون تلك الخطة التي تدارسوها قبل ذلك ؛ الضوء انسحب تدريجياً ،رافقته الاصوات التي خبئت معه ببطء . المكان ساكن تماماً ، خلا بعض الانوار التي تبدو كنجوم صفراء ، او درر رميت على بساط حالك السواد ، ثم اصوات بعض العجائز يمددن ارجلهن المنهكة ويهدهدن احفادهن .. تستمر تلك الدرر في الاختفاء ، ويستمر الصمت في احتلال المكان ، الى ان يصل ذروته ، ينتابه بعض التحركات لبعض النسوة ، تدعو لا بنائهن في غيابهم ، في ذلك الوقت الذي يحركن السلة التي تحتوي على (دبية) الحليب . ها هو الليل قد انتصف ، لا شيء في الأفق ، لا شيء اطلاقاً ، سكون تام ، تمر الدقائق كأنها لا تتقدم ، فجأة يصدر صوت لا يعرف مصدرة لكن ما يميزه أنه مخيف ، بعد الانصات لذلك الصوت عدة مرات بهدوء وخوف شدي...
قلبي مرهق بما فيه الكفاية وحروف في خلدي تتمرد ، تتظاهر تدعو للثورة ، ما زالت تصرخ ، حتى نصبت خيمة .