المدينة المظلمة
على هامش هذه المدينة المنسية ، ما يزال العمر يواصل رمي الايام كقطع بالية ، والقلب ينبض ببطيء ، والعين ترمق الاماكن والعابرون بملل ، لا جديد يذكر ، ولا اثارة ، كل ما يمكن ان يكون لا رغبة او اغراء في اكتشافه ،
كل الدروب تبدو متشابهة ، و كل الالسن ، اما الوجوه فكأنها مرايا لوجه واحد ، كأني اقف على رصيف الزمن ، اتطلع على كل هذه الرتابة ، السماء مظلمة والمدينة بلا قمر ، حتى قصص الحب التي اصبحت سطحية و انتهازية ، لا تلهم المحبين ولا تشعل الشوق في قلوبهم .
ومع انفاس الليل الباردة ، تزداد شراهة المدخنين للتدخين ، اما المعدمون فهم تحت رحمة سجان واحد اسمه الشتاء .
فتارة اتطلع ببطيء الى السماء ، وتحديداَ الى الثقوب التي تملئها ، تبدو الحياة بلا خيال ، اما البشر فيزدادون شراسة ، لقد تركت الذئاب اماكنها ،وانسحبت من قمم التلال ، ولم تعد تمتهن العواء .
يهجم بني البشر على كل شيء بجنون ،يلتهمون المدن ، و يلتهمون الغابات بنباتها وحيواناتها ، و يلتهمون بعضهم بعضاً، يوماً بعد يوم يثبتون أنهم ابشع المخلوقات و اشرسها واشدها ضراوة .
وتارة اشفق على الاطفال ، عندما تتسلل اصواتهم الباكية من ثقوب الصمت الصغيرة ، انه لمن الجرم ان نخبئ لهذه الارواح البريئة كل هذا الواقع ..!
كل هذا الصمت المصطنع لا يدل على الهدوء ولا على السلام ، انما يحمل في طياته كمية كبيرة من الجبن ، فعلى كل شارع يتمترس الموت خلف اقنعة البشر و في نفسياتهم المتعفنة .
حتى الصباح يبدو خائفاً وهو يحاول العبور ، يتحرك ببطئ يقف عند كل شارع ، عندما تستوقفه الجماعات المسلحة ، تنظر إليه بتعالي و تصوب نحوه افواه البنادق ، تحاول أن تستفزه ، وان تجرده من كل معاني الجمال .
يدخل الصبح الى هذه المدينة بخوف ويغادر خلسة محاولاً ان يمر دون ان يلطخ ردائه بالدماء التي تنزفها الشوارع ، وفي كل يوم يكتشف ان تلك الامنيات من المستحيل ، فلا يجد اطهر من دموع البسطاء ليتوضأ بها ، ويغادر .
قيل بأنه كان لهذه المدينة قمر ، و يشاع انه لم يستطع تحمل كل هذا العذاب الذي يراه فغادر ، ويقول البعض انه قد تغير لونه ، قالت عجوز بأن القمر انعكاس لأرواح البشر وقلوبها ، وبينما كان يمر كعادته على هذه البلاد تصاعدت سحب الحقد والظلم و غطت وجهة ، فاصبح كالح السواد وكأنه قطعة من الليل .
لا طقوس محبة تقام كي تضيئ المكان ، اما دموع البسطاء فقد اصبحت شحيحة وعلى وشك ان تجف ، يقولون بأن الدماء التي تسيل ايضاً اصبحت سوداء وبأن اللون الاحمر قد اختفى منذ زمن ، حتى الازهار يكسوها السواد .
يقول احدهم ان قمة العدل أن نموت جميعاً ، ويرد آخر تلك امنية كل شريف ، لكن الأوغاد يحرصون على أن لا يحدث ذلك .
قال شاب لم اعد املك من القوة سوى شجاعتي التي استجمعها كل يوم لأحاول ان ابصق في وجوه هؤلاء الملاعين ، الذين يطوقون احلامنا ، يريدون ان يحولونا لأعواد ثقاب بعد ان كدسوا البارود في كل مكان ، تلك آخر امانيهم .
تعليقات
إرسال تعليق